تفاصيل قتْل الصيدلانية ليلى رزق… هل أراد القاتل تشتيت التحقيق؟

نوال نصر– نداء الوطن
نقف أمام آرمة مكتب بريد وهاتف بولونيا ونسأل عن ليلى رزق، الصيدلانية القتيلة، فيشير لنا أحد المتكئين على الحائط: «هناك، في المبنى المحاذي، على بعد أمتار». نصحح له: الصيدلية في المروج لا في بولونيا فيجيب بسخرية: «بولونيا والمروج متداخلتان… وهيدا لبنان». نمشي أمتاراً. نتمهل عند آرمة ترحيبية: أهلا بكم في المروج التي ترتفع 1245 متراً عن سطح البحر. قبالتها، عند التخوم الأولى للضيعة المتنية، تقع صيدلية القتيلة واسمها باسم المكان: صيدلية المروج. واجهتها ببابين. أحدهما كان مقفلا بشكل دائم. ورود حمراء وبيضاء وضعت للتوّ مع شموع عند المدخل. وشمع أحمر قانٍ بلون الدماء، ختمت به الصيدلية. نقترب أكثر ونقرأ: تمّ ختم الصيدلية بالشمع الأحمر عملاً بإشارة قاضي التحقيق في جبل لبنان زياد الدغيدي، بموجب محضر ضبط بتغرين رقم 101/302 تاريخ 18/ 4/ 2022.
نراقب كل التفاصيل. ثمة شباك خشبي خلفي. وعيادة للدكتور جوزف عازار، طب عام أطفال. وبالقرب من الصيدلية، على بعد ثلاثة أمتار، محل بوظة بشير. البارحة، يوم قتلت الصيدلانية، كان عيداً، والحرّ شديداً، والناس تروح وتجيء، ومحل البوظة مزدحماً. ولم يشعر أحد بشيء يحدث خارج عن المألوف. مزار للعذراء أمام المحل. نسأل صاحبه عن جارته القتيلة فيجيب: «العدرا بتخبركم». كانت تقف أمامها كل صباح وتصلي. لكن، ألم يسمع أحد صراخاً؟ يجيب «لا، لا، وهذا ما يؤلمنا. كان يمكن ربما أن نساعدها لو سمعنا أنينها».
الصيدلية في الشارع العام. نعود لنقف أمامها فنشتمّ رائحة الدم أو يخال إلينا أننا نفعل. نفكر بآخر لحظات ليلى، التي أحبها جيرانها وأهالي المروج. فهل تألمت؟ هل بكت؟ هل رجت القاتل ألّا يفعل فعلته؟ رئيس البلدية سمعان خراط وصل للتو. إنه يعرف الضحية وجيرانها. محل إبنة عمه في الجوار. وابن عمه قريب أيضاً. الضيعة كلها أهل وأحباب وأصدقاء. ويقول: «نفوس ليلى من المروج ووالدتها من ضهور الشوير، وآخر إتصال أجرته كان في الساعة الثالثة وسبع دقائق، أما الواتساب فأقفل نهائيا عند الثالثة والثلث. وصيدليتها مفتوحة منذ 25 عاما، وفيها مطبخ صغير وحمام. والقاتل دفعها على الأرجح الى الحمام وخنقها».
يصرّ رئيس البلدية على التأكيد أن لا اغتصاب قد حصل وأن الموت حصل خنقاً. لكن، من أين يستمد معطياته؟ وكم من وقتٍ مرّ قبل وصوله الى الصيدلية بعد أن اكتشفت الجريمة؟ يجيب: «كنت من بين أول الواصلين. وكان قد مضى على وفاتها أكثر من ساعتين، بدليل أن جسدها كان أصفر اللون والدم يغطي وجهها وتحت رأسها». يصرّ خراط على التأكيد مجدداً أن الموت حصل خنقاً، في حين ذكرت كل الخبريات والنوادر و»القيل والقال» أنها ذبحت. أوليست الدماء في المكان دليل حصول الذبح؟ يعود ليصرّ رئيس البلدية على الخنق لا الذبح، والدماء قد تكون خرجت من فمها عند الشدّ أو ربما يكون قد ارتطم رأسها بشيء ما» يضيف «حين رأيتها كان لا يزال هناك سلسال ذهبي حول عنقها وآخر عند كاحلها الأيسر. وبالتالي نظرية السرقة شبه مستبعدة. نظرية أخرى استبعدت وهي أن يكون القاتل من المدمنين الذين يقتلون من أجل الحصول على أدوية مخدرة. والبحث أكد عدم صحة هذه الفرضية أيضاً».
الفرضيات في مثل هذه الحالة التي قتلت فيها ليلى رزق تتعدد. ورئيس بلدية المروج يحاول أن يحلل في كل واحدة منها. ماذا عن فرضية الإعتداء الجنسي؟ وكيف كان وضعها حين رآها مقتولة في حمام الصيدلية؟ يجيب: «كانت عارية لكن لا اغتصاب. ونعتقد أن القاتل تقصد فعل ذلك ليُشتت التحقيق ويأخذه في اتجاه آخر». في كل حال، ما يعزز الفرضية الأخيرة التي تحدث عنها رئيس بلدية المروج هو وجود ثياب القتيلة خارج الحمام. القاتل سعى الى القول، عن قصد، أن المجنى عليها على علاقة مع القاتل.

أمام مدخل الصيدلية كاميرات مراقبة. ولدى محل بيع البزورات المقابل كاميرات مراقبة أيضا. لكنها، هناك وهنا، وهمية، لا تعمل. والبلدية أكدت أن عناصرها سألوا مراراً أصحاب المحال، وبينهم الصيدلية، عن وجود كاميرات مراقبة وقالوا نعم. فهل هذا استهتار من الأهالي أنفسهم؟ يجيب صاحب المحمصة بالقول: «الكاميرات متوقفة بعدما تعطل DVR لديّ مرتين وسعر كل واحد 80 دولاراً. وكاميرات الصيدلية كانت أيضا معطلة». ننظر الى كاميرات معلقة على أعمدة إنارة في الشارع العام. نسأل عنها فيجيبنا أحد السكان «إنها ملك البلدية ونأمل ألّا تكون أيضاً معطلة».

ليلى رزق لديها ولدان أيضا. وابنها الكبير له من العمر 26 عاماً. وإذا كانت قد توفيت حقاً، كما ذكر التقرير الشرعي، قبيل الساعة الرابعة، فماذا قد يكون حصل بين الرابعة والسادسة؟ ألم يدخل زبائن الى الصيدلية؟ يجيب الجيران: بلى، دخل بعض الزبائن، وبعضهم دخلوها ونادوها وحين لم تجبهم، سألوا عنها لدى المحال المجاورة. ولم يخطر في بال أحد أنها ميتة في الحمام.
تفتح الضحية ليلى صيدليتها صباحا، نحو الساعة العاشرة والنصف، وتستمر فيها حتى الساعة الثانية عشرة ليلا، حين يُطفئ صاحب المولد الأنوار. هو يُطفئها أيضا بين الساعة الواحدة والنصف والرابعة والنصف. وهذا ما جعل البعض يُخمن بأن القاتل قد يكون على علم مسبق بالضحية وبمواعيد إطفاء المولد وبعدم إمكانية كاميرات المراقبة على التقاط فعل الجريمة.

ليلى رزق، كانت تصعد من أنطلياس الى المروج، في أحيان كثيرة، عبر باص: أنطلياس- ضهور الشوير- بولونيا- المروج. كانت تحاول توفير بعض القروش للأيام السوداء. كانت تتوقع، على الأرجح، أن تعيش مدة أطول. فهل ماتت وسرها معها؟ هناك، في المروج، يتحدثون عن درجة امان عالية في الضيعة. وما حصل مع مالكة صيدلية المروج هو الأول من نوعه، فالمنطقة مكشوفة والجميع يعرفون بعضهم البعض. والجريمة، بتوقيتها، في وضح النهار، أثارت لديهم الكثير من الإستغراب. وما يصرون عليه أن لا تقتل المرأة مرتين، من خلال إجتهاد البعض في تحليل الحادث، بشكل يأخذ التحقيق الى مكان آخر. والثابت في كل القصة أن القاتل إعتمد الجريمة المنظمة.

أول البارحة، يوم قتلت ليلى رزق، كانت القوى الأمنية هنا بأعداد وافرة: عناصر الدرك وسرية المخابرات وأمن المعلومات. استمرّ هؤلاء في المكان الى حين نقل الصليب الأحمر الضحية، في كيس خيش، الى مستشفى بحنس. أما البارحة، فخلا موقع الجريمة ولم يكن بجوار الصيدلية سوى حملة الورود. فماذا عن اليوم وما بعده؟ كل نواب المتن، والمرشحين في المتن، نددوا بما حصل وأداروا ظهورهم ومشوا. نحن أيضا. قرأنا عند نهايات بلدة المروج عبارة: رافقتكم السلامة. ورأينا زهور الربيع تملأ الحقول. المحال فتحت أبوابها أيضا وكأن شيئاً لم يكن. ووحدها ليلى رزق لن تعود لا الى أولادها ولا الى صيدليتها. فهل كانت تحتاج، مع شهادتها، الى مسدس يقيها من غدر القتلة؟ ليس بسرٍ القول أن الكثيرين باتوا يفكرون جديا بالأمن الذاتي. فهل دخلنا في دهليز القتل السهل؟
قبل ان نغادر المروج ننظر كثيراً حولنا عملاً بمقولة: يعود المجرم دائماً الى مسرح الجريمة. فهل قاتل ليلى رزق كان قريباً لهذه الدرجة؟